بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم : محمد مسعد ياقوت **
رسالة الإسلام
كان فتح مكة، فتح أخلاق ورحمة، قلما نجد في تاريخ البشر فتحًا يضاهي فتح مكة في روعة أخلاقياته، وسمو العفو في طيات أحداثه.
فهو يوم نُصرة المظلوم، ويوم الوفاء والبر، ويوم عز مكة، ويوم التمكين .......
وقد ازدحمت في هذا اليوم ، مشاهد الأخلاق الكريمة ، وصور الخلال السجيحة، حتى تيقن الباحثُ في السيرة النبوية؛ أن محاضن التربية التي كانت في دار الأرقم، قد أتت أُكلها، وأينعت ثمارها، وانتفض حية في سلوك الصحابة يوم الفتح؛ تلك الدروس النبوية في العقيدة والأخلاق التي تربى عليها خير جيل .
فلم نسمع يوم الفتح؛ أن رجلاً مسلمًا هتك عرض امرأة، أو سرق شملة، أو هدم بيتًا، أو أفسد زرعًا، أو قتل ظلمًا، أو فزّع طفلاً . كانوا – رضي الله عنهم – مصاحف في مساليخ بشر، تتحرك تتلك المصاحف بين الشوارع والأزقة، أو يتحرك هؤلاء الرجال الربانيون بين أكناف مكة .. في حكمة، ينشرون العدل والحق ، وينتشر الإسلام بفضل أخلاقهم انتشار أشعة الشمس، أو فوحان المسك، وترى الواحد منهم – أي من هؤلاء الصحابة الكرام يوم الفتح - كالليث في السكة، فقد فر منه المجرمون، وأمنَّ به الجالس في كسر بيته ، والثاوي في بيت ربه.
نصرة المظلوم
وأول دروس الأخلاق الجلية في يوم الفتحة ، هو درس نصرة المظلوم .
فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة – حلفاء المسلمين - ، وأعملوا فيها القتل، وخرقوا العقد؛ أرسلت خزاعة رسولاً إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باعتباره شريك عقد وأخ حلف، فخرج عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ سراعًا، يجوب الحزون ليلاً ونهارًا، حَتّى قَدِمَ المدينة، فوقف على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يجلس حتى أخبره الخبر، فلخَّص له الأحداث في قصيدة تاريخية شهيرة، قال فيها :
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا ... ثُمّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
" نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ !!! " [ ابن هشام2/393 ]
واستبشر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفائل؛ فعَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنَانٌ مِنْ السّمَاءِ، فَقَالَ :
" إنّ هَذِهِ السّحَابَةَ لَتَسْتَهِلّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ " [ ابن هشام 2/393].
لقد اعتمل فؤادُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غيظًا على هذا الظلم الصريح، فلم يقر حتى انتدب لنصرة حلفائه، والتجهز للتنكيل بأعدائه، الذين انتهكوا الحرمات، وسفكوا الدماء.
إنها نصرة المظلوم، وإغاثة المكلوم، تلك الخصلة الإسلامية الكريمة، والخلة العربية الأصيلة، وليس من المسلمين من لم يهتم بأمرهم، فيناصرهم ويذود عنهم.. وملعونٌ ذلك الذي شهد موقفًا يُظلم فيه المظلوم، وانقلب خسيئًا سلبيًا لم ينصر أخاه ببنت شفة – وهو يقدر.
وفي الأثر : لعن الله من رأى مظلوما فلم ينصره. من أُذل عنده مؤمن وهو قادر على أن ينصره فلم ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق .
وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
"الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا [وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ]" [ البخاري: 2266]
فالمؤمن لأخيه كالبنيان، يقوّيه ويمنعه من ظلم الظالمين، وبغي الباغين، وغُشم الغاشمين. وقد شبَّك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أصابعه، ممثلاً لتلك العلاقة التي تربط بين الإخوان وبعضهم، فهي كالأصابع المتضاغمة، كتلك الشبَكة التي لا غناء لها عن عقدة من عقدها. وقد خاب من حمل ظلمًا.
أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال الظلوم هو الملوم
نبذ الهدنة مع الخونة
والإبقاء على عهد الخائن الـهَوجَل ؛ ليس من الخُلق في شيء، بل الأخْلقُ نبذ عهده، وشق موادعته، وخليق بإمام المسلمين ألا يحوْل عهد الغَدرةِ دون نصرة البررة، وحقيقٌ أن بنود صلح الحديبية تسقط فور إخلال أحد الأطراف ببند من البنود.
ولقد استند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نصرته لخزاعة، إلى أصل أصيل، مفاده أن العدو إذا حارب من هم في جوار المسلمين أو في حلفهم أو في ذمتهم، صار العدو بذلك محاربًا لسلطان المسلمين، وبذلك يصبح المسلمون في حِلِّ من أي اتفاقات مبرمة، أو معاهدات سابقة، وذلك لسبب وجيه : أن العدو نفسه نقَضها باعتدائه على حلفاء المسلمين، وما على إمام المسلمين عار إذا باغت العدو حينئذ في عقره، ودخل عليهم بغتة، أما إذا شك إمام المسلمين في كون العدو على العهد أو تحول إلى النقض؛ فلا يجوز للإمام في هذه الحالة مباغتة العدو، إلا بعد إعلامهم بنبذ العهد، وذلك حتى لا يُؤثر عن المسلمين الغدر، ودليل ذلك قول الله تعالى :
"وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " [الأنفال58]
العفو عن صاحب السبق إذا ذل
فهذا حاطب، ذل، وتخابر مع العدو، فأرسل إليهم كتابًا يخبرهم فيه بمقدم جيش المسلمين، وأرسل هذا الكتاب إليهم مع " مُطربة " تجوب بين القبائل تغني، فأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في إثر هذه المغنية، وتم مصادرة خطاب حاطب، ورُفع الأمر إلى حضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – ليفصل في هذه القضية، فدليل التخابر موجود، والمتهم مُعترف، بل قال – مبررًا - :
" يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لا تَعْجَلْ عَلَيَّ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ .. كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي ، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ " [البخاري: (3939)]
وكانت مبررات حاطب هذه كلها، محض شَعْبذة وهراء ..
وكان حُكم رسول الله العفو !
وذلك لسبب استثنائي دامغ :
أن حاطبًا قد شهد بدرًا ، وأن الله قد تاب على حاطب، فقال لأهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وحاشا أن يُكذب الله، وأن عملية التخابر لم تتم ولم تنجح ..
ولقد أَكلتْ هذه الفعلة الشنعاء قلبَ عمر – فأراد أن يستئذن رسول الله في قتل حاطب -فقال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ" .
فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ! وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا .. فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ !" ..
فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ "[البخاري: (3939)] .
وفي عفوه – صلى الله عليه وسلم – عن حاطب، يدل على أهمية العفو عن أصحاب السبق والفضل في الإسلام إذا ما وقعوا في خطيئة أو ذلت أقدامهم في مصيبة ..
وفي هذا الموقف – أيضًا - دلالة على عدم جواز التخابر لصالح العدو، ولا يجوز للمسلمين أن يتخذوا من أعداء الله أولياء يلقون إليهم بالمودة ..
حظر الشعارات والهتافات غير الأخلاقية :
وفي نشوة الفتح، وشذى النصر الفواح، صاح قائد الأنصار سعد بن عبادة : " الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ! الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ! "
فَقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم - : "كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ "[ صحيح البخاري (3944) ]
وأمر بالراية - راية الأنصار - أن تؤخذ من سعد بن عبادة كالتأديب له، ويقال: إنها دفعت إلى ابنه قيس بن سعد.[ ابن كثير: 3/559].
وفيه، دلالة على حظر فحش القول وهُجره في الشعارات والهتافات، خاصة في المؤتمرات والتظاهرات، فليس من أخلاقنا، أن نتخلق بأخلاق الغوغاء ممن يتهفون بأفظع الهجاء . فإذا هتفنا أو شعِرنا أو نَظَمْنا الشعارات، أو نثرنا الأسجاع؛ في تظاهرة أو مؤتمر، فإنما يكون بأطايب الكلام، وبأحاسن الألفاظ، فديننا دين مكارم الأخلاق . والله يكره الفاحش البذيء، واللعان الطعان .
تواضع الفاتحين الإسلاميين
كأنه وهو فرد من جلالته *** في عسكر حين تلقاه وفي حشم
ودخل نبي الله – صلى الله عليه وسلم – مكة، شاخص الطرف، باسط الكف، شاكرًا حامدًا ربه، خفيض الرأس، معتمًا بعمامة سوداء، وهو واضع رأسه تواضعًا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل..
ويلهج صوته بالقرآن، قارئَا سورة الفتح .
يتراءى للناس رويدًا رويدًا، كالكوكب المشبوب رونقًا وبهاءً.
يَشقُ بجحافله البيداءَ شقًا، شامخَا باذخًا، في جَلْجَلة وصَلْصَلة، يحفه خير أجناد الله، عليهم وَقَار البطولة، ومَخَايل الظفر .. كلهم ، كلهم في انتظار إشارة منه لتتحول مكة إلى حمام دم، ومذبحة يشيبُ لها الأمْرَد، وخسف وهدم، ليدمدموا مكة على رءوس المشركين ، فهم الذين عذّبوا المسلمين أيام عهد مكة، وسجنوهم وحصروهم وأخرجوهم .
ولكن ما حدث ليس ذلك، بل أصدر العفو العام .
العفو العام عند المقدرة
وماذا عن العفو العام، الذي أطنب فيه المفكرون عبر حقب التاريخ ؟
بعدما أمنَّ الجميع، في بيوتهم ومساجدهم، وقال: : "كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً" [ الترمذي: 3054]، وقال : " لا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [ مسلم : (3334)].
يقول "واشنجتون ايرفنج"، في كتابه (حياة محمد)، معلقًا على قرار العفو العام:
"كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو" [واشنجتون ايرفنج : حياة محمد 72 .].
ويقول : إميل درمنغم :
"فقد برهن [محمد ] في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية؛ قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء ! " [انظر: بشرى زخاري ميخائيل : محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل، ص50].
إن أخلاقيات العفو العام، هي أخلاقيات تمخضت عن نفوس أُشربت الربانية، وشربت من كأس التربية ثمالتها، وإن أمثال هؤلاء ممن تربوا على التراحم فيما بينهم والتآخي والتغافر، لخليق بهم أن يحملوا راية التمكين في الأرض، فما أعظم هذه النفوس التي ذاقت ويلات التعذيب في رمضاء مكة، حتى إذا أمكنهم الله من رقاب أعداءهم، أَعطوا العفو، وجنَّبوا القود، فمسألة التمكين عند هؤلاء الإسلاميين ليست حكاية تصفية حسابات، وليست حكاية غرس أعواد المشانق لمن شنقوهم، فشنقًا بشنق وتنكيلاً بتنكيل، وليست قضيتهم قضية مطالَبات وتِرات، وثارات ودِيَّات، بل يعتبرون الإيذاء ضريبة التمكين، ووسام على صدور المؤمنين.. فهؤلاء الإسلاميون لا يحملون بين جنباتهم جذوة الثأر، إنما يحملون بميامنهم شعلة القرآن، وبميامنهم الآخرى شعلة السُنة، وبين ذلك يحملون قلبًا خالصًا للرب، صادقًا في الغاية.
إنتماء القائد لأنصاره:
ويكأن الناظر ظن، أن رسول الله ضن بأهله المكيين، فأصدر عفوه، وأمنَّ عدوه، فقال: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ " [مسلم : (3332)].
فقال بعض الأنصار : أَمَّا الرَّجُلُ [ يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ] فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ !
فنبَّأه العليمُ الخبير ..
فجمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأنصار ، وقال :
"قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، أَلَا فَمَا اسْمِي إِذًا ! ؟ أَلا فَمَا اسْمِي إِذًا ! ؟ أَلَا فَمَا اسْمِي إِذًا ! ؟ أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ،هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ !! "
فبكوا، وأرسلوا عبرات الحب، وزفرات الضن بقائدهم، قائلين :
" وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ! " ..
وتفَّهمَ القائد هذه المشاعر النبيلة، وكأنه لامس مشاعرهم الصادقة في سيوداء قلوبهم ، فقال :
"فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ" [مسلم : (3332)].
يا صاحب الفتح ! صلى الله عليك !
لقد قيض الله لك أنصارًا لا يطمعون في شيء بين الخافقين إلا في رضاك عنهم وقربك منهم . ولا يبغون لعاعة من الدنيا، إنما يأملون أن يعودا إلى ديارهم في المدينة المنورة - وقد رجعوا بك في رحالهم .
يوم بِرٍ ووفاء
وجاء علي بن أبي طالب، يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجمع له شرف الحجابة مع السقاية، وقد كان مفتاح الكعبة مع عثمان بن طلحة، وقد طلب النبي منه تسليم المفتاح ليصلي في جوف الكعبة، ثم رده إليه قائلاً :
" هَاكَ مِفْتَاحَك يَا عُثْمَانُ ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ " [ ابن هشام 2/412]
ولم يكن يوم ظلم وعدوان. أو مكر وخُتل.
وقد كان في استطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يضع مفتاح الكعبة في بني هاشم أو في يد زعيم من زعماء الصحابة . فقد كان إعلاء قيم البر الوفاء أولى من الاستئثار بمفتاح الكعبة، ولم يكن من شيم الفاتحين الإسلاميين سلب الأملاك وكرائم الأموال ونفائس الآثار؛ إن ذلك من شأن الإنقلابيين الفاسدين الذي إذا وصلوا إلى سُدة الحُكم – جَبريةً - ، أكلوا كل شيء عنوة، قصور ومجوهرات، ومال وعقارات- كما فعل أصحاب الثورات النكدة السوداء، حيث يتحول فريق الإنقلاب من أبطال كفاح ونضال، إلى لصوص كبار، ومعربدين فجار، وخونة غَّدار، فلا يتركون صادحًا ولا باغمًا، ولاخفًا ولا حافرًا، ولا شيئًا مما تنبت الأرض من قثائها وفومها وعدسها وبصلها إلا أتوْ عليه، حتى لعاعة الفقير اللابط بالأرض، الذي يبيت طاويًا، لا يجد أكسار بقرة .. يشتهي ظِلفَا يمسك رمقه، أو عرقوبًا يُطفىء لوعته، ولا يجده .
***
هذه دروس في أخلاقيات الفتح؛ تشي بأحقية الناشيء الصابر في الظفر والتمكين والسؤدد، فأقرب الدعاة إلى التمكين أحاسنهم أخلاقًا، وأحق الدعوات بالنجاح أكارمها أخلاقًا، وكذلك الحال في الجماعات والدول والحضارات، فالأخلاق عماد الحضارات، وكم من حضارة زالت بشؤم ظالم فاسد، وعربيد خليع، ومرقص لعوب !
وكم من أناس عاشوا يزفون الفتوحات إلى الأمة، ولم يغنموا من غنائم النصر عقال بعير، أو سلاح غفير، فقضوا نحبهم دون أن تتمرغ أجسامهم في ريش النصر وفراش النعيم والوثير؛ وكانت القبور مساكنهم . فلهم ثواب الله . فأنعم به وأكرم من ثواب !
وآخرون قطفوا ثمرة الفتح سهلة، وقد تعبَ وجاهدَ في سبيلها غيرهم، ونسوا حظًا من تعاليم الإسلام، وطال عليهم الأمد، وقست قلوبهم، وتلَّهوا بالنساء والبنين والمال والأنعام والحرث، وشغلتهم أموالهم وأهلوهم عن منهج الله، واستوردوا دساتير اليهود والنصارى، واتَّبعوهم في ثقافاتهم حذو القذة بالقذة، وتصعلكوا لأعداء الأمة، وجلبوا للمسلمين كل مَضَرَّة ومَعَرَّة .. وأوليئك هم الرُّقعاء السفهاء، الذين أضاعوا المجد، وباعوا العِرض، وهم لصوص الأمة، وإن اعتلوا ذُؤابة منبر المجد، الذي بناه الفاتحون الصادقون.
فعسى الله أن يأتي بفتح جديد، وفاتح مجيد، فيعود المجد التليد !
صيد الفوائد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصظفى محمد صلى الله عليه و سلم
و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
أعضاء و مشرفي و مراقبي منتديات ستار تايمز و كوورة حياكم الله
و أسعد الله أوقاتكم بكل خير
تدور على ألسنة بعض الناس - وخاصة العوام منهم - في مناسبات معينة ، جملة من الأقوال والأحاديث ، تُذْكَر على أنها أحاديث نبوية صحيحة ، وذلك كفضل قراءة بعض سور القرآن الكريم ، أو قراءة أذكار معينة في أوقات محددة ، أو فضل صيام بعض الشهور والأيام ، ونحو ذلك.
ونحن - ومن منطلق واجبنا الدعوي - نرى لزاماً علينا أن نقف عند بعض هذه الأقوال ؛ لنبيِّن مدى صحتها ، محاولين في ذلك نقل أقوال أهل العلم في الحكم على تلك الأحاديث . مع الإشارة إلى أن مجال حديثنا مقتصرٌ على الأقوال المشتهرة على ألسنة الناس ، والمتعلقة بصيام شهر رمضان المبارك ، سواء ما كان منها ضعيفاً أم موضوعاً.
نبدء مع الأحاديث التي لم تصح :
1-حديث ( صوموا تصحوا ) وهو حديث ضعيف ، وإن كان معناه صحيحاً ، وقد ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير".
2-حديث ( يوم صومكم يوم نحركم ) وهو حديث لا أصل له ، كما قال الإمام أحمد وغيره.
3-حديث ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان ، فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله تعالى صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه... الخ ) رواه البيهقي ، وضعفه الألباني في " المشكاة " ، وقال : منكر في " السلسلة الضعيفة " وفي " ضعيف الترغيب والترهيب ".
4-حديث ( خمس يفطِّرن الصائم وينقضن الوضوء : الكذب ، والنميمة ، والغيبة ، والنظر بشهوة ، واليمين الكاذبة ) وهو حديث ضعيف. قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديثُ كَذِبٍ، واقتصر الشيخ السبكي على تضعيفه.
5-حديث ( لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان ، إن الجنة لتزيّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول...) والحديث طويل. قال المنذري : في " الترغيب ": ولوائح الوضع ظاهرة على هذا الحديث. وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر أن ابن خزيمة أخرج هذا الحديث في "صحيحه" قال: وكأنه تساهل فيه، لكونه من الرغائب.
6-حديث ( لا تزال أمتي بخير ما أخَّروا السحور وعجَّلوا الفطر ) رواه أحمد والحديث منكر كما قال الشيخ الألباني ، والصحيح من ذلك حديث: ( لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الإفطار) رواه الإمام أحمد أيضاً.
7-حديث ( أول شهر رمضان رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وأخره عتق من النار ) أشار ابن خزيمة إلى تضعيفه، وقال الشيخ الألباني : إنه حديث منكر.
8-حديث ( إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد ) فقد أشار ابن القيم إلى تضعيفه، وقال الشيخ الألباني : إسناد هذا الحديث ضعيف. ويغني عنه حديث ( ثلاث دعوات لا ترد ، دعوة الوالد ، ودعوة الصائم ، ودعوة المسافر ) رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه ابن حبان ، وله شواهد بألفاظ مختلفة.
9-حديث ( لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان ) والحديث موضوع.
10-حديث ( إن الله تبارك وتعالى ليس بتارك أحداً من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له ) وهذا الحديث لا يصح ، كما قال نقَّاد الحديث.
11-حديث ( كان إذا دخل رمضان شد مئزره ، ثم لم يأتِ فراشه حتى ينسلخ ) الحديث ضعَّفه الألباني بهذا اللفظر، قال : والشطر الأول منه صحيح بلفظ : ( كان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليلة، وأيقظ أهله ) وهو في الصحيحين
12-حديث ( صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ) وهو حديث ضعيف، ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير".
13-حديث ( انبسطوا في النفقة في شهر رمضان، فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله) وهو حديث ضعيف، كما قال الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع الصغير".
14-حديث ( نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله مضاعف ، ودعاؤه مستجاب ، وذنبه مغفور ) وهو حديث ضعيف ، ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير".
15-حديث ( من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه، فإنه لا يقبل منه حتى يصومه ) ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير".
16-وقريب منه قولهم: ( من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه ، لم يتقبل منه ، ومن صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه ، فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه) والحديث ضعيف ، ذكره الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة".
17-حديث ( من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ، ولا مرض ، لم يقضِ عنه صوم الدهر كله وإن صامه ) ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الترمذي".
18-حديث ( من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين ) فهو حديث موضوع ، ذكره الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " ، و" ضعيف الترغيب والترهيب "، و" ضعيف الجامع الصغير ". ويغني عنه ماورد في الصحيح من فضل الاعتكاف في رمضان وخاصة العشر الأواخر منه .
19-حديث ( كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر ) ، وهو حديث موضوع كما ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ، وهو خلاف حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين : ( ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) .
20-حديث ( الصائم بعد رمضان كالكارِّ بعد الفارِّ ) ذكره الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير ".
والأقوال المتناقَلة والمتداولة بين الناس من هذا القبيل كثيرة ، فعلى المسلم أن يكون على بيِّنة من أمرها، وأن يربأ بنفسه أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً لم يصح عنه ، وقد ثبت في الحديث المتواتر قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري و مسلم .
ومن طريف ما يُروى في هذا الصدد ، أن أحد الوضاعين للحديث سُئل لماذا يضع الحديث ، ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب معتذراً : أنا لا أكذب عليه وإنما أكذب له ! ولا يغيب عنك أخي الكريم أن شرع الله لا يُتلقى من أفواه الناس كيفما جاء وكيفما تيسَّر ، وإنما هناك طرق وسبل لا بد للمسلم أن يسلكها ليصل إلى الحق والصواب ، وليسير على هدى وبينة من أمره . وفقنا الله وإياك لصالح العمل.
موقع اسلام ويب
الخميس أبريل 23, 2015 9:15 pm من طرف صبر جميل
» طور منتداك في منتدى العرب اشقاء
الخميس أبريل 23, 2015 9:01 pm من طرف صبر جميل
» avira_antivir_personal_free.exe من رفعي
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:40 pm من طرف صبر جميل
» صو برشلونة
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:40 pm من طرف صبر جميل
» الحضارة الاغريقيةا
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:39 pm من طرف صبر جميل
» الإمســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاك
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:38 pm من طرف صبر جميل
» ملخص مادة الاقتصاد bac2012
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:37 pm من طرف صبر جميل
» هام جدا لكل مقبل على إمتحان البكالوريا
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:37 pm من طرف صبر جميل
» مواضيع جريدة الخبر لبكالوريا 2012 - متجدد كل يوم -
الثلاثاء أبريل 14, 2015 7:37 pm من طرف صبر جميل